کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فكذا بعد الزناء قابل لهما بالتوبة و عدمها فلا ينافي ما روي من عدم العود إليه إلا بعد التوبة.
و قيل لعل المراد أنه يسلب منه شعبة من شعب الإيمان و هي إيمان أيضا فإن المؤمن يعلم أن الزناء مهلك و يزهر نور هذا العلم في قلبه و يبعثه على كف الألة عن الفعل المخصوص و كل واحد منهما أعني العلم و الكف إيمان و شعبة من الإيمان أيضا فإذا غلبت الشهوة على العقل و أحاطت ظلمتها بالقلب زال عنه نور ذلك العلم و اشتغلت الآلة بذلك الفعل فانتقصت عن الإيمان شعبتان فإذا انقضت الشهوة و عاد العقل إلى ممالكه و علم وقوع الفساد فيها و شرع في إصلاحها بالندامة عن الغفلة صار ذلك الفعل كالعدم و زالت تلك الظلمة عن القلب و يعود نور ذلك العلم فيعود إيمانه و يصير كاملا بعد ما صار ناقصا انتهى.
قوله أ رأيت إن هم أي قصد الزنا هل يفارقه روح الإيمان أو إن كان بعد الزنا قاصدا للعود هل يمنع ذلك عود الإيمان قال لا و الأول أظهر أ رأيت إن هم أقول المعنى أنه كما أن قصد السرقة ليس كنفسها في المفاسد و العقوبات فكذا قصد الزنا ليس كنفسها في المفاسد أو يقال لما كان ذكر الزنا على سبيل المثال و الحكم شاملا للسرقة و غيرها فالغرض التنبيه بالأحكام الظاهرة على الأحكام الباطنة.
فإن قيل على الوجهين هذا قياس فقهي و هو ليس بحجة عند الإمامية قلت ليس الغرض الاستدلال بالقياس فإنه ع لا يحتاج إلى ذلك و قوله في نفسه حجة بل هو تنبيه بذكر نظير للتوضيح و رفع استبعاد السائل أو إلزام على المخالفين على أن القياس الفقهي إنما لا يكون حجة لاستنباط العلة و عدم العلم بها أما مع العلم بها فيرجع إلى القياس المنطقي لكن يرد عليه أنه لما كان العلم بالعلة من جهة قوله ع فقوله يكفي لثبوت أصل الحكم فيرجع إلى الوجه الأول ..
16- كا، الكافي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ لِلْقَلْبِ أُذُنَيْنِ فَإِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِذَنْبٍ قَالَ لَهُ رُوحُ الْإِيمَانِ
لَا تَفْعَلْ وَ قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ افْعَلْ وَ إِذَا كَانَ عَلَى بَطْنِهَا نُزِعَ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ 7564 .
بيان: على بطنها أي المرأة المزني بها كما في سائر الأخبار.
17- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ لِقَلْبِهِ أُذُنَانِ فِي جَوْفِهِ أُذُنٌ يَنْفُثُ فِيهَا الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ وَ أُذُنٌ يَنْفُثُ فِيهَا الْمَلَكُ فَيُؤَيِّدُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بِالْمَلَكِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ 7565 .
18- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ 7566 قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ 7567 .
بيان: كأن المراد بالسكينة الثبات و طمأنينة النفس و شدة اليقين بحيث لا يتزلزل عند الفتن و عروض الشبهات بل هذا إيمان موهبي يتفرع على الأعمال الصالحة و المجاهدات الدينية سوى الإيمان الحاصل بالدليل و البرهان و لذا قال لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ و الحاصل أن تفسيره ع السكينة بالإيمان إما لكون هذا اليقين كمال الإيمان أو إيمانا موهبيا ينضم إلى الإيمان الاستدلالي و هذا مما يدل على أن اليقين يقبل الشدة و الضعف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله و كأن المراد بالروح أيضا الإيمان الموهبي لأنه قال ذلك بعد قوله كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أو المراد به قوة الإيمان و كماله و يحتمل أن يكون المراد به
أنه سبب الإيمان و قوته و كماله لما مر في الأخبار.
19- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ الْبَرْقِيِّ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: السَّكِينَةُ هِيَ الْإِيمَانُ 7568 .
20- كا، الكافي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ غَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ 7569 .
21- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ قَالَ قُلْتُ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ وَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ 7570 .
بيان: فسر أكثر المفسرين كَلِمَةَ التَّقْوى بكلمة التوحيد فإنه يتقى بها من عذاب الله و ما فسرها ع به أظهر إذ بجميع العقائد الإيمانية و اجتماعها يتقى من عذاب الله و فسرت في كثير من الأخبار بالولاية لاستلزامها لسائر العقائد و في بعضها بأمير المؤمنين و في بعضها بجميع الأئمة ع أي ولايتهم و الإقرار بإمامتهم كلمة التقوى أو أنهم يعبرون عن الله تعالى و ما يتقى به من عذابه.
22- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبَانٍ عَنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ هَلْ لَهُمْ فِيمَا كُتِبَ فِي قُلُوبِهِمْ صُنْعٌ قَالَ لَا 7571 .
بيان: يدل على أن الإيمان من الله و ليس للعباد فيها صنع و عمل و اختيار و إنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا أو بإخراج التعصب و الأغراض الباطلة عن النفس أو مع السعي في الجملة أيضا و يمكن تخصيصه بمعرفة الصانع تعالى
كما مر 7572 أو بكمال المعرفة و قد مر تمام القول فيه في كتاب العدل و في بعض النسخ صبغ بالباء الموحدة و الغين المعجمة أي هل لهذه الكتابة صبغ و لون و كأنه تصحيف.
تذييل
اعلم أن المتكلمين من الخاصة و العامة اختلفوا في أن الإيمان هل يقبل الزيادة و النقصان أم لا و منهم من جعل هذا الخلاف فرع الخلاف في أن الأعمال داخلة فيه أم لا قال إمامهم الرازي في المحصل الإيمان عندنا لا يزيد و لا ينقص لأنه لما كان اسما لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيئه به و هذا لا يقبل التفاوت فسمي الإيمان لا يقبل الزيادة و النقصان و عند المعتزلة لما كان اسما لأداء العبادات كان قابلا لهما و عند السلف لما كان اسما للإقرار و الاعتقاد و العمل فكذلك و البحث لغوي و لكل واحد من الفرق نصوص و التوفيق أن يقال الأعمال من ثمرات التصديق فما دل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة و النقصان كان مصروفا إلى أصل الإيمان و ما دل على كونه قابلا لهما فهو مصروف إلى الإيمان الكامل انتهى.
و قال الشهيد الثاني قدس سره في رسالة العقائد حقيقة الإيمان بعد الاتصاف بها بحيث يكون المتصف بها مؤمنا عند الله تعالى هل تقبل الزيادة أم لا فقيل بالثاني لما تقدم من أنه التصديق القلبي الذي بلغ الجزم و الثبات فلا تتصور فيه الزيادة عن ذلك سواء أتى بالطاعات و ترك المعاصي أم لا و كذا لا تعرض له النقيصة و إلا لما كان ثابتا و قد فرضناه كذلك هذا خلف و أيضا حقيقة الشيء لو قبلت الزيادة و النقصان لكانت حقائق متعددة و قد فرضناها واحدة و هذا خلف.
إن قلت حقيقة الإيمان من الأمور الاعتبارية للشارع و حينئذ فيجوز أن يعتبر الشارع للإيمان حقائق متعددة متفاوتة زيادة و نقصانا بحسب مراتب المكلفين في قوة الإدراك و ضعفه فإنا نقطع بتفاوت المكلفين في العلم و الإدراك قلت لو جاز ذلك و كان واقعا لوجب على الشارع بيان حقيقة إيمان كل فرقة يتفاوتون في قوة الإدراك مع أنه لم يبين و ما ورد من جهة الشارع فيما به يتحقق الإيمان من حديث جبرئيل للنبي ص و غيره من الأحاديث قد مر ذكره و ليس فيه شيء يدل على تعدد الحقائق بحسب تفاوت قوى المكلفين و أما ما ورد في الكتاب العزيز و السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة و النقصان كقوله تعالى وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً 7573 و قوله تعالى لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ 7574 و قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 7575 و كذا ما ورد من أمثال ذلك في القرآن العزيز فمحمول على زيادة الكمال و هو أمر خارج عن أصل الحقيقة الذي هو محل النزاع و الآية الثانية صريحة في ذلك فإن قوله تعالى مَعَ إِيمانِهِمْ يدل على أن أصل الإيمان ثابت أو على من كان في عصر النبي ص حيث كانوا يسمعون فرضا بعد فرض منه ع فيزداد إيمانهم به لأنهم لم يكونوا مصدقين به قبل أن يسمعوه و حاصله أن الحقيقة الشرعية للإيمان لم تكن حصلت بتمامها في ذلك الوقت فكان كلما حصل منها شيء صدقوا به.
و اعترض بأن من كان بعد عصر النبي ص يمكن في حقه تجدد الاطلاع على تفاصيل الفرائض المتوقف عليها الإيمان فإنه يجب الاعتقاد إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا و لا ريب أن اعتقاد الأمور المتعددة تفصيلا
أزيد و أظهر عند النفس من اعتقادها إجمالا فعلم من ذلك قبول حقيقة الإيمان الزيادة.
أقول فيه بحث فإن الجازم بحقيقة الجملة جازم بحقيقة كل جزء منها و إن لم يعلمه بعينه أ لا ترى أنا بعد علمنا بصدق النبي ص جازمون بصدق كل ما يخبر به و إن لم نعلم تفصيل ذلك جزءا جزءا حتى لو فصل ذلك علينا واحدا واحدا لما ازداد ذلك الجزم نعم الزائد في التفصيل إنما هو إدراك الصور المتعددة من حيث التعدد و التشخص و هو لا يوجب زيادة في التصديق الإجمالي الجازم فإن هذه الصور قد كانت مجزوما بها على تقدير دخولها في الهيئة الإجمالية و إنما الشاذ عن النفس إدراك خصوصياتها و هو أمر خارج عن تحقق الحقيقة المجزوم بها نعم لا ريب في حصول الأكملية به و ليس الكلام فيها.
و قد أجاب بعض المفسرين عن الآية الثالثة بأن تكرار الإيمان فيها ليس فيه دلالة على الزيادة بل إما أن يكون باعتبار الأزمنة الثلاثة أو باعتبار الأحوال الثلاث حال المؤمن مع نفسه و حاله مع الناس و حاله مع الله تعالى و لذا بدل الإيمان بالإحسان كما يرشد إليه قوله ص في تفسيره الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ و الوسط و المنتهى أو باعتبار ما ينبغي فإنه ينبغي ترك المحرمات حذرا عن العقاب و ترك الشبهات تباعدا عن الوقوع في المحرمات و هو مرتبة الورع و ترك بعض المباحات المؤذنة بالنقص حفظا للنفس عنه الخسة و تهذيبا لها عن دنس الطبيعة أو يكون هذا التكرار كناية عن أنه ينبغي للمؤمن أن يجدد الإيمان في كل وقت بقلبه و لسانه و أعماله الصالحة و عبر به حرصا منه على بقائه و الثبات عليه عند الذهول ليصير الإيمان ملكة للنفس فلا يزلزله عروض شبهة انتهى.
قيل في بيان قبول الإيمان الزيادة إن الثبات و الدوام على الإيمان أمر زائد عليه في كل زمان و حاصل ذلك يرجع إلى أن الإيمان عرض لأنه من الكيفيات النفسانية و العرض لا يبقى زمانين بل بقاؤه إنما يكون بتجدد الأمثال.
أقول و هذا مع بنائه على ما لم يثبت حقيته بل نفيه فليس من الزيادة في شيء إذ لا يقال
للمماثل الحاصل بعد انعدام مثله أنه زائد و هذا ظاهر.
و قيل في توجيه قبوله الزيادة أنه بمعنى زيادة ثمرته من الطاعات و إشراق نوره و ضيائه في القلب فإنه يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي.
أقول هذا التوجيه وجيه لو كان النزاع في مطلق الزيادة لكنه ليس كذلك بل النزاع إنما هو في أصل حقيقته لا في كمالها.
و استدل بعض المحققين على أن حقيقة التصديق الجازم الثابت يقبل الزيادة و النقصان بأنا نقطع أن تصديقنا ليس كتصديق النبي ص.
أقول لا ريب في أنا قاطعون بأن تصديق النبي ص أقوى من تصديقنا و أكمل لكن هذا لا يدل على اختلاف أصل حقيقة الإيمان التي قدرها الشارع باعتقاد أمور مخصوصة على وجه الجزم و الثبات فإن تلك الحقيقة إنما هي من اعتبارات الشارع و لم يعهد من الشارع اختلاف حقيقة الإيمان باختلاف المكلفين في قوة الإدراك بحيث يحكم بكفر قوى الإدراك لو كان جزمه بالمعارف الإلهية كجزم من هو أضعف إدراكا منه نعم الذي تفاوت فيه المكلفون إنما هو مراتب كماله بعد تحقق أصل حقيقته التي يخاطب بتحصيلها كل مكلف و يعتبر بها مؤمنا عند الله تعالى و يستحق الثواب الدائم و بدونها العقاب الدائم.