کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
قالوا: بل نأخذ الفدية و نستعين بها و يستشهد منّا من يدخل الجنّة، فقبل منهم الفداء، و قتل من المسلمين قابلا عدتهم.
و طعن من طعن في هذا الحديث بأنّه ينافي العتاب على أخذ الفداء من باب الطعن بالمجهول على المعلوم.
مع أنّ ابن حجر ذكر في شرحه لصحيح البخاري أنّ الترمذي و النسائي و ابن حبّان و الحاكم رووه عن عليّ عليه السلام بإسناد صحيح.
و يدلّ عليه أيضا، أنّ إبقاء الأسرى قد كان بإذنه و ما كان يسع المرءوس، إذا أذن الرئيس و أمر أن يخالف و يختار، [لا] سيّما في مثل هذا الخطب الجليل و الشأن العظيم، خصوصا بعد ما أبرم مرائر أمر أتباعه و طاعته، و أوعد على معصيته في الكتاب الكريم، فكانت التّبعة على الآذن المطاع و الآمر الواجب الاتباع، و لكان هو المستحقّ لتوجّه العتاب و التقريع و لم يقع الأمر كذلك، بل خصّوا بالعتاب و التهديد دونه صلّى اللّه عليه و آله، و غاية الأمر أن يعمّه صلّى اللّه عليه و آله معهم، و كذلك استشارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحابه في أمر الأسارى و أخذ الفداء منهم، دليل على أنّه لم يكن النصّ تناوله، و لو كان خاصّا أو عامّا تناوله، فكيف غفل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه مع طول مدّة المشورة و البحث عن أمرهم؟ حتّى روي أنّ أبا بكر و عمر كلّماه متناوبين متعاقبين مرارا عديدة، و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله دخل خيمته ثمّ بعد أمّة خرج و استأنف أمر المشورة، و كان الناس يخوضون في كلامهما و يقول قائل: القول ما قال أبو بكر. و قائل: القول ما قال عمر.
و رووا أنّه تمثّل لهما بالملائكة و حالهم و حال عدة من الأنبياء عليه السلام، و تلا عدّة من الآيات أ فلم يخطر بباله تلك الآية النازلة في الواقعة التي هو بصددها.
و تذكر الآيات النازلة في شأن الأنبياء عليهم السلام و وقائعهم، حتّى تمثّل بها لأبي بكر و عمر.
و كيف لم يذكر أبو بكر هذه الآية حتّى يتوقّف مما كان فيه و يرتدع من استبقاء الأسارى؟ و ما الذي دهم الخائضين في كلامهما، حتّى ضربوا صفحا عن ذكر الآية التي أهمهم أمر ما نزلت فيه؟
ثمّ هلم إلى عمر و ذهوله عن الآية، مع أنّ له فيها غرضا عظيما و حظّا جسيما لشدّة ولوعه بقتل الأسرى، خصوصا بني هاشم، لا سيّما عبّاسا و عقيلا حتّى صرّح باسمهما و عيّن القاتل لهما.
و بعد اللتيّا و التي، لو كان استبقاؤهم باجتهاد غفلة عن النصّ، و ذهولا عن أمر اللّه تعالى، كان المجتهد فيه مثابا و مأجورا، و لم يتوجه العتاب، إلى آخر ما علمت.
و أمّا أخذ الفداء، فلا يتمّ الكلام فيه إلّا بأن يثبت أنّ العتاب و التهديد وقع عليه و هو ممنوع، بل إنّما وقع على الأسر الذي فعله المحاربون بدون إذن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و كان غرضهم من الأسر عرض الدنيا و كسب المال على ما دلّ عليه القرآن.
و أيضا أخذ الفداء، كان للتقوّي على الجهاد. على ما دلّت عليه الرواية و هو ممّا يتعلّق بأمر الآخرة و الذّم و العتاب، إنّما توجه بالآية إلى من كان يريد عرض الدنيا، فظهر أنّه على غير هذا الأخذ وقع، و بما سواه تعلّق كما قلنا أنّ الذمّ وقع على فعل الأصحاب المحاربين، و لعلّ غرضهم كان متعلّقا بالحطام الدنيوي.
و ممّا يدلّ على أنّ هذا الوعيد و العتاب لم يكن على أخذ الفداء ثانيا، الرواية التي ذكرنا في دخول عمر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فإنّ العذاب أضيف فيها إلى الأصحاب، و البكاء كان عليهم، و لم يذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفسه في البكاء و العذاب، مع أنّه هو الآذن الآمر لهم، و لا خيرة لهم مع أمره فما للعذاب و لهم!؟
نعم لو كان ينزل على أبي بكر خاصّة لكان له وجه؛ لأنّه هو المشير على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بهذا الرأي و المزيّن له.
و مفهوم الاستثناء المذكور في روايتهم الأخرى، حيث قال:
«لو نزل العذاب لما نجا منه إلّا عمر».
يدلّ على أنّه كان يتناوله صلّى اللّه عليه و آله، فبين الروايتين نوع من التنافي.
و من ذلك ظهر أنّ الرواية بأن تكون دليلا على نقيض مدّعاهم، أولى منها بأن تكون دليلا لهم، و لو صحّ البكاء، لكان رحمة عليهم لما ذكرنا من الأسر الواقع منهم.
و منه هاهنا ظهر أنّ بين ما تضمنته الرواية من تخصيص البكاء في العذاب بهم و جعله بإزاء أخذ الفداء تنافيا.
و قول الفخر الرّازي: «أنّ بكاءه صلّى اللّه عليه و آله كان لخطإ في الاجتهاد، و حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» فيه نظر من وجهين.
الأوّل: أنّه لا معنى للبكاء على فعل الطاعة و ما يوجب الثواب.
و الثّاني: أنّه لا وجه لبكائه صلّى اللّه عليه و آله على الأصحاب لخطإ نفسه، و هل رأيت أحدا يبكي على غيره لذنب نفسه!؟ فهذا في غاية الظرافة.
و لا يتوهّم أنّ العذاب علّق في الآية على الأخذ لا على الأسر؛ لأنّ الأخذ يستعمل في كلّ فعل و لا يختصّ بما يؤخذ، إلّا إذا وصل بكلمة «من» الجارّة، و لا صلة في الآية [الكريمة].
و لنكتف من ردّ شبههم بما تعلّق بهاتين الآيتين الشريفتين، فإنّهما عمدة تمسّكوا به.
و أمّا ما تمسّكوا به من الأخبار، فجوابها أظهر من أن يتعرّض له، مع أن أكثرها مما لم يثبت عندنا، و نحن في فسحة من ردها و منع صحّتها ..
[الباب السّادس و الثلاثون] باب آخر نادر في ذكر ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من الأشعار المناسبة لهذا المجلد 5762 و قد مر بعضها في الأبواب السابقة:
1- مِنْهَا فِي الشِّكَايَةِ [مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ وَ مُعَاصِرِيهِ]:
تَغَيَّرَتِ الْمَوَدَّةُ وَ الْإِخَاءُ
وَ قَلَّ الصِّدْقُ وَ انْقَطَعَ الرَّجَاءُ
وَ أَسْلَمَنِي الزَّمَانُ إِلَى صَدِيقٍ
كَثِيرِ الْغَدْرِ لَيْسَ لَهُ رِعَاءٌ
سَيُغْنِيهِ الَّذِي أَغْنَاهُ عَنِّي
فَلَا فَقْرٌ يَدُومُ وَ لَا ثَرَاءٌ
وَ لَيْسَ بِدَائِمٍ أَبَداً نَعِيمٌ
كَذَاكَ الْبُؤْسُ لَيْسَ لَهُ بَقَاءٌ
وَ كُلُّ مَوَدَّةٍ لِلَّهِ تَصْفُو
وَ لَا يَصْفُو مِنَ الْفِسْقِ الْإِخَاءُ 5763
إِذَا أَنْكَرْتُ عَهْداً مِنْ حَمِيمٍ
وَ فِي النَّفْسِ التَّكَرُّمُ وَ الْحَيَاءُ
وَ كُلُّ جِرَاحَةٍ فَلَهَا دَوَاءٌ
وَ سُوءُ الْخُلُقِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ
وَ رُبَّ أَخٍ وَفَيْتُ لَهُ وَفِيٍ
وَ لَكِنْ لَا يَدُومُ لَهُ الْوَفَاءُ
يُدِيمُونَ الْمَوَدَّةَ مَا رَأَوْنِي
وَ يَبْقَى الْوُدُّ مَا يَبْقَى اللِّقَاءُ
أَخِلَّاءُ إِذَا اسْتَغْنَيْتُ عَنْهُمْ
وَ أَعْدَاءٌ إِذَا نَزَلَ الْبَلَاءُ
وَ إِنْ غُيِّبْتُ عَنْ أَحَدٍ قَلَانِي
وَ عَاقَبَنِي بِمَا فِيهِ اكْتِفَاءٌ
إِذَا مَا رَأْسُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَّى
بَدَا لَهُمْ مِنَ النَّاسِ الْجَفَاءُ .
بيان: الرعاء: الحفظ و الرّعاية. و الثّراء: كثرة المال و الولد و غيرهما. و إنكار العهد: عدم معرفته أي تغيّره. و الحميم: القريب نسبا. و قوله: «وفي» بالجرّ صفة لأخ. و القلا: البغض. [و] قوله: «بما فيه اكتفاء»: أي في العقوبة.
و المراد ب «رأس أهل البيت»: نفسه عليه السلام، أو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.
2- وَ مِنْهَا فِي بَيَانِ شَجَاعَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ:
ضَرَبْنَا غُوَاةَ النَّاسِ عَنْهُ تَكَرُّماً
وَ لَمَّا رَأَوْا قَصْدَ السَّبِيلِ وَ لَا الْهُدَى
وَ لَمَّا أَتَانَا بِالْهُدَى كَانَ كُلُّنَا
عَلَى طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَ الْحَقِّ وَ التُّقَى
نَصَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا تَدَابَرُوا
وَ ثَابَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ذَوُو الْحِجَى .
بيان: [لفظة:] «و لمّا» في الأوّل حرف نفي و فيما بعده للشرط. و إضافة «القصد» إلى «السبيل» من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف، يقال: طريق قصد و قاصد:
إذا أدّاك إلى المطلوب. و ثاب الرّجل: رجع و ثاب الناس: اجتمعوا و جاءوا.
أقول: [ذكر] في الدّيوان أنّها لغزوة بدر، و لعلّها بغزوة أحد و حنين أنسب كما لا يخفى.
3- وَ مِنْهَا يُومِئُ إِلَى الشَّكْوَى :
فَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تُنَالُ بِفِطْنَةٍ
وَ فَضْلٍ وَ عَقْلٍ نِلْتُ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ
وَ لَكِنَّمَا الْأَرْزَاقُ حَظٌّ وَ قِسْمَةٌ
بِفَضْلِ مَلِيكٍ لَا بِحِيلَةِ طَالِبٍ .
4- وَ مِنْهَا فِي مِثْلِهِ :
لَيْسَ الْبَلِيَّةُ فِي أَيَّامِنَا عَجَباً
بَلِ السَّلَامَةُ فِيهَا أَعْجَبُ الْعَجَبِ .
5- وَ مِنْهَا فِي نَحْوِهِ :
ذَهَبَ الْوَفَاءُ ذَهَابَ أَمْسِ الذَّاهِبِ
وَ النَّاسُ ابْنُ مُخَاتِلٍ وَ مُوَارِبٍ
يُفْشُونَ بَيْنَهُمُ الْمَوَدَّةَ وَ الصَّفَا
وَ قُلُوبُهُمْ مَحْشُوَّةٌ بِعَقَارِبَ .
بيان: ختله و خاتله: أي خدعه. و المواربة و قد يهمز-: المخادعة.
6- وَ مِنْهَا فِي شِبْهِهِ :
عِلْمِي غَزِيرٌ وَ أَخْلَاقِي مُهَذَّبَةٌ
وَ مَنْ تَهَذَّبَ يَشْقَى فِي تَهَذُّبِهِ
لَوْ رُمْتُ أَلْفَ عَدُوٍّ كُنْتُ وَاجِدَهُمْ
وَ لَوْ طَلَبْتُ صَدِيقاً مَا ظَفِرْتُ بِهِ .
بيان: الغزارة: الكثرة. و تهذيب الأخلاق: تصفيتها و تخليصها عمّا يضيّعها.
و [معنى] قوله عليه السلام: «يشقى»: أي يتعب. و الرّوم: الطلب.
7- وَ مِنْهَا فِي تَعْيِيرِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ :
يُهَدِّدُنِي بِالْعَظِيمِ الْوَلِيدُ
فَقُلْتُ: أَنَا ابْنُ أَبِي طَالِبٍ
أَنَا ابْنُ الْمُبَجَّلِ بِالْأَبْطَحَيْنِ
وَ بِالْبَيْتِ مِنْ سَلَفِي غَالِبٍ
فَلَا تَحْسَبَنِّي أَخَافُ الْوَلِيدَ
وَ لَا أَنَّنِي مِنْهُ بِالْهَائِبِ
فَيَا ابْنَ الْمُغِيرَةِ إِنِّي امْرُؤٌ
سَمُوحُ الْأَنَامِلِ بِالْقَاضِبِ
طَوِيلُ اللِّسَانِ عَلَى الشَّانِئِينَ
قَصِيرُ اللِّسَانِ عَلَى الصَّاحِبِ
خَسِرْتُمْ بِتَكْذِيبِكُمْ لِلرَّسُولِ
تَعِيبُونَ مَا لَيْسَ بِالْعَائِبِ
وَ كَذَّبْتُمُوهُ بِوَحْيِ السَّمَاءِ
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ .
بيان: الأبطح: مسيل واسع فيه حصى صغار.
و قيل: أريد بالأبطحين أبطح مكّة و أبطح المدينة الذي يقال له: وادي العقيق. و وجه تبجيل أبي طالب بالمدينة، أنّ سلمى أمّ عبد المطّلب كانت منها.
و إنّما خصّ من أسلافه و أجداده غالبا تفؤّلا بالغلبة. و القاضب: السيف القاطع: أي تجود أنامله بأعمال السيّوف القاطعة. و الشّانئون: المبغضون.
[و قوله] «ما ليس بالعائب»: أي خلقا لا يصير سببا لعيب صاحبه.
8- وَ مِنْهَا خِطَاباً لِأَبِي لَهَبٍ:
أَبَا لَهَبٍ تَبَّتْ يَدَاكَ أَبَا لَهَبٍ
وَ صَخْرَةُ بِنْتُ الْحَرْبِ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ
خَذَلْتَ نَبِيَّ اللَّهِ قَاطِعَ رَحِمِهِ
فَكُنْتَ كَمَنْ بَاعَ السَّلَامَةَ بِالْعَطَبِ
لِخَوْفِ أَبِي جَهْلٍ فَأَصْبَحْتَ تَابِعاً
لَهُ وَ كَذَاكَ الرَّأْسُ يَتْبَعُهُ الذَّنَبُ
فَأَصْبَحَ ذَاكَ الْأَمْرُ عَاراً يَهِيلُهُ
عَلَيْكَ حَجِيجُ الْبَيْتِ فِي مَوْسِمِ الْعَرَبِ
وَ لَوْ لَانَ بَعْضَ الْأَعَادِي مُحَمَّدٌ
لَحَانِي ذَوُوهُ بِالرِّمَاحِ وَ بِالْقُضُبِ
وَ لَنْ تَشْمُلُوهُ أَوْ يُصْرَعَ حَوْلَهُ
رِجَالٌ مَلَاءٌ بِالْحُرُوبِ ذَوُو حَسَبٍ .