کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
أقول و إن كان لفظ الوهم في أوله يوهم شموله للسهو أيضا لكن التفريع صريح في الشك و يدل على أن كثرة الشك في الأفعال أيضا يصير سببا للحكم بعدم الالتفات إليه على أن كثير الشك لا يعود إلى الفعل المشكوك فيه و إن كان وقته باقيا و لا يقضيه بعد الصلاة إن جاوز محله.
وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الصَّدُوقُ ره فِي الْفَقِيهِ 9736 حَيْثُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَعُدَّ الرَّجُلُ صَلَاتَهُ بِخَاتَمِهِ أَوْ بِحَصًى يَأْخُذُهُ بِيَدِهِ فَيَعُدُّ بِهِ وَ قَالَ الرِّضَا ع 9737 إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ فَامْضِ عَلَى صَلَاتِكَ وَ لَا تُعِدْ.
وَ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الصَّدُوقُ 9738 أَيْضاً بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ 9739 أَنَّ الصَّادِقَ ع قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يَسْهُو فِي كُلِّ ثَلَاثٍ فَهُوَ مِمَّنْ كَثُرَ عَلَيْهِ السَّهْوُ.
و لنرجع إلى تفاصيل الأحكام المستنبطة من النصوص المتقدمة فنوضحها في فصول.
الأول في بيان معنى السهو الذي بكثرته يحصل الحكم المخصوص به.
اعلم أن المشهور بين الأصحاب أن حكم الكثرة مخصوص بالشك و إنما يحصل بالكثرة فيه و يحصل حكمه فيه لا بالسهو و لا فيه و حملوا الأخبار الواردة في ذلك على الشك.
و ذهب بعض الأصحاب كالشهيد الثاني ره إلى شمول الحكم للسهو و الشك معا و حصول ذلك بكل منهما و ظهور أثره في كل منهما عملا بظاهر بعض النصوص أو إطلاقها و لعل الأول أقوى إذ الخبر الأول صريح في الشك و إن كان السؤال وقع عن الشك في الركعات لكن الجواب عام يشمل الشك في الأفعال أيضا و لا خلاف في أنه يحصل الكثرة بكل منهما و كذا الخبر الرابع صريح في الشك و أما الأخبار الأخر فيحتملهما و يحتمل الأعم منهما.
و ربما قيل في الثاني بأنه ظاهر في الشك لأنه نسبه إلى الشيطان و الشك يكون منه غالبا و السهو من لوازم طبيعة الإنسان و فيه نظر إذ السهو نسب في الآيات و الأخبار الكثيرة إلى الشيطان كقوله تعالى وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ 9740 و قوله تعالى وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ 9741 و إن كان النسيان فيهما يحتمل معنى آخر لكن مثلهما كثير مع أن الشك إنما يحصل من النسيان فلا فرق بينهما في أن كلا منهما يحصل من الشيطان.
بل الأصوب أن يقال شمول لفظ السهو في تلك الأخبار للسهو المقابل للشك غير معلوم و إن سلم كونه بحسب أصل اللغة حقيقة فيه إذ كثرة استعماله في المعنى الآخر بلغت حدا لا يمكن فهم أحدهما منه إلا بالقرينة و شمولها للشك معلوم بمعونة الأخبار الصريحة فيشكل الاستدلال على المعنى الآخر بمجرد الاحتمال.
مع أن حمله عليه يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظهور لو كان ظاهرا فيه إذ لو ترك بعض الركعات أو الأفعال سهوا يجب عليه الإتيان به في محله إجماعا و لو ترك ركنا سهوا و فات محله تبطل صلاته إجماعا و لو كان غير ركن يأتي به بعد الصلاة لو كان مما يتدارك فلم يبق للتعميم فائدة إلا في سقوط سجود السهو و تحمل تلك التخصيصات الكثيرة أبعد من حمل السهو على خصوص الشك لو كان بعيدا مع أن مدلول الروايات المضي في الصلاة و هو لا ينافي وجوب سجود السهو إذ هو خارج عن الصلاة.
فظهر أن من عمم النصوص لا يحصل له في التعميم فائدة و لذا تشبث من قال بسقوط سجود السهو بالحرج و العسر لا بتلك الأخبار.
ثم اعلم أن الأصحاب اختلفوا في الشك الموجب للحكم هل هو شك يترتب عليه حكم أو هو أعم منه ليشمل ما إذا شك مع ترجح أحد الطرفين أو بعد تجاوز
المحل أو في النافلة فذهب الأكثر إلى التعميم لإطلاق النصوص.
و ذهب جماعة إلى التخصيص بما له حكم إذ العلة عدم لزوم المشقة و المشقة إنما تكون في شك يترتب عليه حكم و أيضا الأمر بالمضي في الصلاة الوارد في النصوص ظاهره أنه مما يترتب عليه حكم آخر لو لم يمض.
و يمكن أن يقال لا نسلم كون العلة ما ذكر بل العلة الواردة في النصوص عدم إطاعة الشيطان و كون بعض الشكوك مما يحصل فيه إطاعته أو ينجر أخيرا إليه يكفي في ذلك و الأمر بالمضي على الوجهين صحيح و إن كانت الفائدة إنما تظهر فيما له حكم.
و الحاصل أن تعلق الحكم بالمضي الذي ظاهره تعلقه بما له حكم على كثرة الشك لا يستلزم كون الشكوك الكثيرة من هذا الجنس إذ يكفي في فائدة تخصيص الحكم بما بعد الكثرة أنه لو كان تحقق مثل هذا الشك قبل تحققها لم يكن له المضي في الصلاة و لو سلم لزوم تحقق مثل هذا الشك قبل الكثرة لا نسلم كون حصول الكثرة كلها من هذا الصنف.
و الحق أنه لو لم ندع كون ظواهر النصوص التخصيص فدعوى كون ظواهرها العموم مكابرة فيشكل تخصيص عمومات أحكام الشك و السهو إلا بالفرد المتيقن فالأحوط مع تحقق الكثرة بالشك الذي لا حكم له العمل بحكم الشك ثم إعادة الصلاة و الله يعلم.
الثاني في بيان الحكم المترتب على كثرة الشك أو السهو.
اعلم أنه لا خلاف ظاهرا بين الأصحاب في أن حكم الشك حينئذ عدم الالتفات إليه و عدم إبطال الصلاة بما يبطلها في غير تلك الحالة و المضي في الصلاة و البناء على وقوع المشكوك فيه و إن كان محله باقيا سواء كان ركنا أو غيره ما لم يستلزم الزيادة فيبنى على المصحح كما دلت عليه الروايات السابقة إذ دلالتها على عدم
إبطال الصلاة بالشك ظاهرة.
و أما على عدم الإتيان بالمشكوك فيه فرواية عمار صريحة في عدم الإتيان بالركوع و السجود المشكوك فيهما و كذا قوله فامض في صلاتك في عدم الإتيان بفعل يوجبه الشك في الصلاة و ربما يقال قوله ع لا تعد يشمل بإطلاقه ذلك و كذا التعليل بقطع عمل الشيطان يقتضي ذلك و أيضا إذا لم يلزم العود إلى الصلاة مع عروض ما يوجب إعادتها في غير تلك الحالة فعدم العود إلى فعل من أفعالها مع بقاء وقته أولى.
و لعل اجتماع تلك الدلالات و إن كان بعضها ضعيفا مع اتفاق الأصحاب يكفي لثبوت هذا الحكم و كذا هذه الوجوه تدل على عدم لزوم صلاة الاحتياط بل فيها أظهر بل ربما يقال الإتيان بصلاة الاحتياط نوع من نقض الصلاة و تردد المحقق الأردبيلي قدس الله روحه في سقوط صلاة الاحتياط و فيه ما فيه.
و أما سقوط سجدة السهو فيشكل الاستدلال بالنصوص عليه إلا بالتعليل الذي أشرنا إليه و لذا تمسك المحقق و بعض المتأخرين رحمهم الله في ذلك بلزوم العسر و الحرج المنفيين و لم يظهر من الأصحاب مخالف في ذلك إلا المحقق الأردبيلي حيث تردد فيه و لعل الأحوط إيقاعها و إن كان القول بسقوطها لا يخلو من قوة إذ بعد التأمل في النصوص يظهر الحكم في الجملة كما لا يخفى. ثم اعلم أن حكم عدم الالتفات إلى الفعل المشكوك فيه حتمي كما يدل عليه الأوامر و النواهي الواقعة فيها الظاهرة في الحتمية مع تأكدها بالتعليلات و أنه لم يخالف في ذلك إلا المحقق الأردبيلي و الشهيد رحمة الله عليهما حيث ذكر التخيير على سبيل الاحتمال و المحقق المزبور مال إليه في آخر كلامه.
و العلامة و الشهيد رضي الله عنهما احتملا البطلان إذا عمل بمقتضى الشك و الشهيد الثاني ره جزم بالبطلان و الشهيدان عمما الحكم في صورتي تذكر الاحتياج إلى الفعل المأتي به و عدمه و استدل العلامة ره على البطلان بأنه
فعل خارج عن الصلاة و الفعل الخارج عنها يبطلها إذا وقع فيها و علل الشهيدان بأنها زيادة منهي عنها و كلما كان كذلك فهو مبطل للصلاة.
و اعترض المحقق الأردبيلي على الدليلين بوجوه ذكرها و التعرض لها يوجب التطويل و الأحوط عدم الإتيان بالفعل المشكوك فيه و مع الإتيان به إتمام الصلاة ثم إعادتها إذ الجزم بالبطلان لا يخلو من إشكال.
ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب أن من كثر شكه يبني على الأكثر و يسقط عنه صلاة الاحتياط و اختار المحقق الأردبيلي قدس الله روحه البناء على الأقل للأصل مع العمل بعدم اعتبار الشك مع الكثرة في الجملة و لم أر قائلا بذلك غيره و لا يخفى على المتأمل في تلك الأخبار أن ليس العلة في تغيير حكم كثير شك إلا تخفيف الحكم عليه و رفع وسواس الشيطان عنه و التخفيف لا يحصل بالبناء على الأقل كثيرا لعدم الفرق في الشاك بين الثلاث و الأربع مثلا بين أن يأتي بركعة واحدة في الصلاة أو في خارجها إلا بتكبيرة و تسليمة و ظاهر أن مثل هذا التخفيف لا يكون مقصودا للشارع في مثل هذا المقام.
و أما الركعتان من جلوس فالمشهور أنه لا يتعين في الاحتياط مع أن الشارع جعله دائما بدل الركعة من قيام فبناء التخفيف عليه بعيد ثم إن حكمه ره بعدم العود إلى الفعل المشكوك فيه مع بقاء محله و الإتيان بالركعة المشكوك فيها داخل الصلاة و القول بالفرق بينهما غريب إذ دلالة النصوص في كل منهما على الإتيان و عدمه على السواء.
و أما السهو فقد عرفت أن المشهور بين الأصحاب عدم ترتب حكم على الكثرة فيه و ذهب الشهيد الثاني ره إلى ترتب الحكم عليه مع موافقته لسائر الأصحاب في وجوب العود إلى الفعل الذي سها فيه إذا ذكره مع بقاء محله و قضائه بعد الصلاة مع تذكره بعد محله و بطلان الصلاة بترك الركن أو الركعة نسيانا مع مضي وقت التدارك و كذا زيادة الركن و الركعة على التفصيل المقرر في أحكام السهو.
فلم يبق النزاع إلا في سجود السهو و يشكل الاستدلال بالنصوص على سقوطه فالأحوط الإتيان به و احتمل الشهيد الثاني في الذكرى اغتفار زيادة الركن سهوا من كثير السهو دفعا للحرج و لاغتفار زيادته في بعض المواضع.
أقول طريق الاحتياط واضح قال رحمة الله عليه لو كثر شكه في فعل بعينه بنى على فعله فلو شك في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضا لصدق الكثرة انتهى و هو حسن.
الثالث في بيان حد كثرة السهو
فقال الشيخ في المبسوط قيل حده أن يسهو ثلاث مرات متوالية و به قال ابن حمزة و قال ابن إدريس حده أن يسهو في شيء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات فيسقط بعد ذلك حكمه أو يسهو في أكثر الخمس أعني ثلاث صلوات الخمس فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الفريضة الرابعة.
و أنكر المحقق في المعتبر هذا القول و قال إنه يجب أن يطالب هذا القائل بمأخذ دعواه فإنا لا نعلم لذلك أصلا في لغة و لا شرع و الدعوى من غير دلالة تحكم انتهى و أكثر الأصحاب أحالوه على العرف قال الشهيد الثاني قدس الله روحه المرجع في الكثرة إلى العرف لعدم تقدرها شرعا و قيل يتحقق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية أو في فريضة واحدة ثلاث مرات و الظاهر أنه غير مناف للعرف و في حكمه السهو في فريضتين متواليتين و ربما خصها بعضهم بالسهو في ثلاث فرائض لرواية ابن أبي عمير و هي غير صريحة في ذلك فإن ظاهرها أن المراد وجود الشك في كل ثلاث بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية عن شكه و لم يقل أحد بانحصار الاعتبار في ذلك.
أقول قوله في فريضتين أي ثلاثا فيهما.