کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
المخالفون، و قد صرّح بها ابن أبي الحديد 66 و غيره، و كلّ ذلك مخالف للكتاب و السنّة و بدعة في الدين.
قال العلّامة رحمه اللّه في كتاب منتهى المطلب 67 : أرض السواد هي الأرض المغنومة من الفرس التي فتحها عمر بن الخطاب، و هي سواد العراق، و حده في العرض من منقطع الجبال بحلوان 68 إلى طرف القادسية المتّصل بعذيب من أرض العرب، و من تخوم الموصل طولا إلى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقيّ دجلة، فأمّا الغربي الذي يليه البصرة فإسلاميّ 69 مثل شطّ عثمان بن أبي العاص و ما والاها كانت سباخا و مواتا فأحياها 70 ابن أبي العاص و سميت هذه الأرض:
سوادا، لأنّ الجيش لّما خرجوا من البادية رأوا هذه الأرض و التفاف شجرها فسمّوها: السواد لذلك 71 ، و هذه الأرض فتحت عنوة، فتحها عمر بن الخطاب ثم بعث إليها بعد فتحه ثلاث أنفس: عمّار بن ياسر على صلاتهم أميرا، و ابن مسعود قاضيا و واليا على بيت المال، و عثمان بن حنيف على مساحة الأرض، و فرض لهم في كلّ يوم شاة شطرها 72 مع السواقط لعمّار، و شطرها للآخرين 73 ،
و مسح عثمان بن حنيف أرض الخراج، و اختلفوا في مبلغها 74 ، فقال الساجي 75 :
اثنان و ثلاثون ألف ألف جريب، و قال أبو عبيدة: ستة و ثلاثون ألف ألف جريب، ثم ضرب على كلّ جريب نخل عشرة دراهم، و على الكرم ثمانية دراهم 76 ، و على جريب الشجر و الرطبة ستة دراهم، و على الحنطة أربعة دراهم، و على الشعير درهمين، ثم كتب 77 بذلك إلى عمر فأمضاه 78 .
و روي أنّ ارتفاعهما كان في عهد عمر مائة و ستين ألف ألف درهم، فلمّا كان زمن الحجّاج رجع إلى ثمانية عشر ألف ألف درهم 79 ، فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز رجع إلى ثلاثين ألف ألف درهم في أوّل سنة، و في الثانية بلغ ستين ألف ألف درهم، فقال: لو عشت سنة أخرى لرددتها إلى 80 ما كان في أيّام عمر، فمات في 81 تلك السنة، فلمّا أفضي الأمر إلى أمير المؤمنين (ع) أمضى ذلك، لأنّه لم يمكنه أن يخالف و يحكم بما يجب عنده فيه.
قال الشيخ رحمه اللّه-: و الذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي و غيرها من البلاد التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس و أربعة الأخماس الباقية تكون للمسلمين قاطبة، الغانمون و غيرهم سواء في ذلك، و يكون للإمام النظر فيها و يقبلها و يضمنها بما شاء و يأخذ ارتفاعها 82 و يصرفه في مصالح المسلمين و ما
ينوبهم من 83 سدّ الثغور و تقوية المجاهدين و بناء القناطر 84 و غير ذلك من المصالح، و ليس للغانمين في هذه الأرضين على وجه التخصيص شيء، بل هم و المسلمون فيه سواء، و لا يصحّ بيع شيء من 85 هذه الأرضين و لا هبته و لا معاوضته و لا تملّكه و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه، و لا يصحّ أن يبنى دورا و منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع 86 الملك، و متى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا و هو باق على الأصل.
ثم قال رحمه اللّه: و على الرواية التي رواها أصحابنا أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت 87 بغير أمر الإمام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصّة، تكون هذه الأرضون و غيرها ممّا فتحت بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلّا ما فتح في أيّام أمير المؤمنين عليه السلام إن صحّ شيء من ذلك 88 للإمام خاصّة، و تكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.
أقول.:
فالبدعة فيه من وجوه:
أحدها:
منع أرباب الخمس حقّهم، و هو مخالف لصريح آية الخمس و للسنّة أيضا، حيث
ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 89 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَسَّمَ خَيْبَرَ وَ صَيَّرَهَا غَنِيمَةً وَ أَخْرَجَ خُمُسَهَا لِأَهْلِ ال ْخُمُسِ 90 .
و كان الباعث على ذلك إضعاف جانب بني هاشم، و الحذر من أن يميل الناس إليهم لنيل الحطام فينتقل إليهم الخلافة فينهدم ما أسّسوه يوم السقيفة و شيّدوه بكتابة الصحيفة.
و ثانيها:
منع الغانمين بعض حقوهم 91 من أرض الخراج و جعلها موقوفة على مصالح المسلمين، و هذا إلزامي 92 عليهم لما اعترفوا به من أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قسّم الأرض المفتوحة عنوة بين الغانمين 93 ، و به أفتى الشافعي 94 و أنس بن مالك 95 و الزبير و بلال كما ذكره المخالفون 96
و ما ذكروه من أنّه عوّض الغانمين و وقفها فهو 97 دعوى بلا ثبت، بل يظهر من كلام الأكثر خلافه، كما يستفاد من كلام ابن أبي الحديد 98 و غيره ..
و ثالثها:
أنّ سيرة الرسول صلّى اللّه عليه و آله في 99 الأراضي المفتوحة عنوة كانت أخذ حصّته عليه السلام من غلّتها دون الدراهم المعيّنة، و سيأتي 100 بعض القول في ذلك في باب العلّة التي لم يغيّر عليه السلام بعض البدع في زمانه.
و منها: أنّه زاد الجزية عمّا قرّرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 101 ،
و هو حرام على مذهب فقهائهم الأربعة إلّا أحمد في رواية 102 .
و منها: تغريب نصر بن الحجّاج و أبي ذويب من غير ذنب من المدينة،
فقد روى ابن أبي الحديد في شرح النهج 103 ، عن محمد بن سعيد، قال: بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذا سمع امرأة تهتف من خدرها:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها
أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل
سهل المحيّا كريم غير ملجاج
تنميه أعراق 104 صدق حين تنسبه
أخي 105 قداح عن المكروب فيّاج 106 سامي النّواظر من بهر له 107 قدم
يضيء صورته في الحالك الدّاجي
فقال 108 : ألا لا أرى 109 معي رجلا تهتف به العواتق في خدورهنّ! عَلَيَّ بنصر بن حجّاج، فَأُتِيَ به، و إذا هو أحسن الناس وجها و عينا و شعرا، فأمر بشعره فجزّ، فخرجت له وجنتان كأنّهما قمر، فأمره أن يعتم فأعتم، ففتن النساء 110 بعينيه، فقال عمر: لا و اللّه لا تساكنني بأرض أنا بها. فقال: و لم يا أمير المؤمنين؟!. قال: هو ما أقول لك، فسيّره إلى البصرة.
و خافت المرأة 111 التي تسمّع 112 عمر منها ما سمع أن يبدر إليها منه شيء،
فدسّت إليه أبياتا:
قل للأمير الذي يخشى بوادره
ما لي و للخمر أو نصر بن حجّاج
إنّي بليت أبا حفص بغيرهما
شرب الحليب و طرف فاتر ساجي
لا تجعل الظنّ حقّا أو تبيّنه
إنّ السّبيل سبيل الخائف الراجي
ما منية قلتها عرضا بضائرة
و النّاس من هالك قدما و من ناجي
إنّ الهوى رمية التقوى فقيّده
حفظي أقرّ بألجام و أسراجي 113
فبكى عمر، و قال: الحمد للّه الذي قيّد الهوى بالتقوى.
و كان لنصر أمّ فأتى عليه حين و اشتدّ عليها غيبة ابنها، فتعرّضت لعمر بين الأذان و الإقامة، فقعدت له على الطريق، فلمّا خرج يريد الصلاة هتفت به و قالت: يا أمير المؤمنين! لأجاثينّك 114 غدا بين يدي اللّه عزّ و جلّ، و لأخاصمنّك إليه، أجلست عاصما 115 و عبد اللّه إلى جانبيك و بيني و بين ابني الفيافي 116 و القفار و المفاوز و الأميال 117 ؟!. قال: من هذه؟. قيل: أمّ نصر بن الحجّاج. فقال لها:
يا أمّ نصر! إنّ عاصما و عبد اللّه لم يهتف بهما العواتق من وراء الخدور.