کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و اعلم أن اسم الروح مشترك باللفظ بين عشر معان ا الوحي ب جبرئيل ج عيسى د الاسم الأعظم ه ملك عظيم الجثة و الرحمة ز الراحة ح الإنجيل ط القرآن ي الحياة أو سببها.
و قال الباقلاني و الأسفراني و ابن كيال و غيرهم أن الروح هي الحياة و هي عرض خاص و ليست شيئا من بقية الأعراض المعتدلة و المحسوسة لجواز زوالها مع بقاء الروح.
إن قيل فكيف يكون الروح هو الحياة و الله له حياة و ليس له روح قلنا أسماء الله تعالى سبحانه توقيفية لا تبلغ من الآراء فإن الله تعالى عليم و لا يسمى داريا و لا شاعرا و لا فقيها و لا فهيما و الله تعالى قادر مبين و لا يسمى شجاعا و لا مستطيعا.
إن قيل كيف يكون الروح هو الحياة و في الأخبار أن الأرواح تنتقل إلى عليين و إلى سجين و إلى قناديل تحت العرش و إلى حواصل طير خضر و الحياة لا تنتقل.
قلنا يجوز أن تنتقل أجزاء أحياء و تسمى أرواحا لأنها محال الروح و هي الحياة تسمية للمحل باسم معنى فيه كما يسمى المسجد صلاة في قوله تعالى لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى 10640 أو نقول المنتقل أمثال الأرواح يخلقها الله و تسمى أرواحا نورانية إن كانت قائمة بذوات المطيعين طيبة تصلي عليها الملائكة و ظلمانية منتنة إن كانت قائمة بذوات المسيئين تلعنها الملائكة مثل ما ورد في الأخبار تصعد صلاة المحسن طيبة مضيئة و صلاة المسيء منتنة مظلمة و إن سورة البقرة و آل عمران تأتيان كأنهما غمامتان و الله تبعث الأيام على هيئتها و تبعث يوم الجمعة أزهر و أنه يؤتى بكبش أملح فيذبح و يقال هذا الموت و أن الأعمال توزن و إنما هي أمثلة يخلقها الله.
إن قيل إن الله وصف النفس التي هي الروح بالإرسال و الإمساك في قوله
تعالى يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية 10641 و الحياة لا توصف بذلك.
قلنا قد سلف أن النفس يقال على معان منها الروح و منها العقل و التمييز و هذان هما المراد من قوله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية و أطلق على النائم لعدم الدفع و النفع و منه سمى الله الكفار أمواتا في قوله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى 10642 لعدم النفع.
إن قيل في الحديث أن الأرواح جنود في الهواء و الحياة لا تكون في الهواء.
قلنا محمول على الذرية التي خرجت من آدم و في هذا نظر لمخالفة ظاهر الآية إذ فيها وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ 10643 أو أن الأرواح هنا القلوب لأن التعارف و التساكن 10644 فيها.
إن قيل في الحديث خلق الله الأرواح قبل الأجساد و لا يصح ذلك في الحياة.
قلنا لا يعلم صحته أو المراد بالأرواح الملائكة فإن جبرئيل روح و الملك العظيم الجثة روح و الروحانيون صنف منهم أيضا.
و الظاهر من كلام أبي الحسن و جماعة أن الروح أجسام لطيفة فقيل ليست معينة و قال الجويني هي ماسكة الأجسام المحسوسة أجرى الله العادة باستمرار الحياة ما استمرت و كان ابن فورك يقول هو ما يجري في تجاويف الأعضاء و لهذا جوز أبو منصور البغدادي قيام الحياة بالشعر إذ لا يشترط في محلها التجويف و لم يجوز قيام الروح لاشتراط التجويف و ليس في الشعر تجويف و استدلوا على كونها جسما بوصف الله لها ببلوغ الحلقوم و بالإرسال و بالرجوع و بالفزع و بقوله من نام على وضوء يؤذن لروحه أن تسجد عند العرش و على هذا اختلف في تكليفها فقيل ليست مكلفة و قيل بل مكلفة بأفعال غير أفعال البدن المحبة و ضدها و أن له
حياة و أفعالها اقتناء الأفعال 10645 الحميدة و اجتناب الذميمة و أوردوا في ذلك ما أورده الخيري في تفسيره قوله تعالى يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها 10646 أن النفس و الروح يجيئان بين يدي الله فيختصمان فتقول النفس كنت كالثوب لم أقترف ذنبا ما لم تدخل فيّ و يقول الروح كنت مخلوقا قبلك بدهور و لم أدر ما الذنب إلى أن دخلت فيك فيمثل الله لهما أعمى و مقعدا و كرما على الجدار و يأمرهما بالاقتطاف فيقول الأعمى لا أبصر و يقول المقعد لا أمشي فيقول له اركب الأعمى و اقتطف فيقول هذا مثالكما فكما صار العنب بكما مقطوفا صار الذنب بكما معروفا و من قال الروح هي الحياة قال المراد بالروح في هذا القول القلب لأنه به حياة الجسد و قد روي في حلية الأولياء عن سلمان رضي الله عنه أنه قال مثل القلب و الجسد مثل الأعمى و المقعد قال المقعد أرى ثمرة و لا أستطيع القيام فاحملني فحمله فأكل و أطعمه و هذا أولى لأن فعل الجسد إنما يكون طاعة و معصية بعزيمة القلب و لهذا
قَالَ ع إِنَّ فِي الْجِسْمِ 10647 لَمُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ سَائِرُهُ وَ إِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُهُ وَ هِيَ الْقَلْبُ.
تذنيب
قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 10648 إن قيل كيف أبهم الله الجواب قلنا فيه وجوه.
ا قال الكتابيون للمشركين اسألوا محمدا عنه فإن توقف فيه فهو نبي فسألوه فأجاب بذلك و قوله وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا عنى اليهود قالوا أوتينا التوراة و فيها علم كل شيء.
ب كان قصدهم بالسؤال تخجيل النبي ص فإن الروح لما قيل على معان
مختلفة كما سلف حتى لو أجاب بواحد منها قالوا ما نريد هذا فأبهموا السؤال فأبهم الجواب بما ينطبق على الجميع بأنه من أمر الله أي أنه أحدثه بقوله كن أو هو من شأنه و خلقه.
ج عن ابن عباس أنهم سألوا عن جبرئيل لأنهم كانوا يدعون معاداته.
د
عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ الْمَلَكِ الْعَظِيمِ الْجُثَّةِ.
ه لو أريد الروح التي في البدن لم يكن في الآية دليل على أنه لا يعلمها إلا الله.
هذا آخر ما وجدنا من الرسالة و لن نتكلم على ما فيها إحالة على أفهام الناظرين فخذ منها ما صفا و دع ما كدر.
تتمة
أقول بعد ما أحطت خبرا بما قيل في هذا الباب من الأقوال المتشتتة و الآراء المتخالفة و بعض دلائلهم عليها لا يخفى عليك أنه لم يقم دليل عقلي على التجرد و لا على المادية و ظواهر الآيات و الأخبار تدل على تجسم الروح و النفس و إن كان بعضها قابلا للتأويل و ما استدلوا به على التجرد لا يدل دلالة صريحة عليه و إن كان في بعضها إيماء إليه فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرد إفراط و تحكم كيف و قد قال به جماعة من علماء الإمامية و نحاريرهم و جزم القائلين بالتجرد أيضا بمحض شبهات ضعيفة مع أن ظواهر الآيات و الأخبار تنفيه أيضا جرأة و تفريط فالأمر مردد بين أن يكون جسما لطيفا نورانيا ملكوتيا داخلا في البدن تقبضه الملائكة عند الموت و تبقى معذبا أو منعما بنفسه أو بجسد مثالي يتعلق به كما مر في الأخبار أو يلهى عنه إلى أن ينفخ في الصور كما في المستضعفين و لا استبعاد في أن يخلق الله جسما لطيفا يبقيه أزمنة متطاولة كما يقول المسلمون في الملائكة و الجن و يمكن أن يرى في بعض الأحوال بنفسه أو بجسده المثالي و لا يرى في بعض الأحوال بنفسه أو بجسده بقدرة الله سبحانه أو يكون مجردا يتعلق بعد قطع تعلقه عن جسده الأصلي بجسد مثالي و يكون قبض الروح و بلوغها الحلقوم و أمثال ذلك تجوزا عن
قطع تعلقها أو أجرى عليها أحكام ما تعلقت أولا به و هو الروح الحيواني البخاري مجازا.
ثم الظاهر من الأخبار أن النفس الإنساني غير الروح الحيواني و غير سائر أجزاء البدن المعروفة و أما كونها جسما لطيفا خارجا من البدن محيطا به أو متعلقا به فهو بعيد و لم يقل به أحد و إن كان يستفاد من ظواهر بعض الأخبار كما عرفت.
و قد يستدل على بطلان القول بوجود مجرد سوى الله بقوله سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 10649 و هو ضعيف إذ يمكن أن يكون تجرده سبحانه مباينا لتجرد غيره كما تقول في السمع و البصر و القدرة و غيرها.
و قد يستدل على نفيه بما سبق من الأخبار الدالة على أن الوحدة مختصة به تعالى و أن غيره سبحانه متجزئ كخبر فتح بن يزيد
عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع وَ قَالَ فِي آخِرِهِ وَ الْإِنْسَانُ وَاحِدٌ فِي الِاسْمِ لَا وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى وَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَيْرُهُ وَ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَ لَا تَفَاوُتَ وَ لَا زِيَادَةَ وَ لَا نُقْصَانَ وَ أَمَّا الْإِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَ جَوَاهِرَ شَتَّى غَيْرَ أَنَّهُ بِالاجْتِمَاعِ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي ع فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَ لَكِنَّهُ الْقَدِيمُ فِي ذَاتِهِ وَ مَا سِوَى الْوَاحِدِ مُتَجَزِّئٌ وَ اللَّهُ الْوَاحِدُ لَا مُتَجَزِّئٌ وَ لَا مُتَوَهَّمٌ بِالْقِلَّةِ وَ الْكَثْرَةِ وَ كُلُّ مُتَجَزِّئٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ بِالْقِلَّةِ وَ الْكَثْرَةِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ دَالٌّ عَلَى خَالِقٍ لَهُ.
وَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع لَا تشبه [تُشْبِهُهُ] صُورَةٌ وَ لَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ قَرِيبٌ فِي بُعْدِهِ بَعِيدٌ فِي قُرْبِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَ لَا يُقَالُ شَيْءٌ فَوْقَهُ أَمَامَ كُلِّ شَيْءٍ وَ لَا يُقَالُ لَهُ أَمَامٌ دَاخِلٌ فِي الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ دَاخِلٍ وَ خَارِجٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْءٍ خَارِجٍ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هَكَذَا وَ لَا هَكَذَا غَيْرُهُ.
فإن هذه الأخبار و غيرها مما مر في كتاب التوحيد تدل على اختصاص تلك الصفات بالله تعالى و على القول بوجود مجرد سوى الله كانت مشتركة مع الله سبحانه فيها لا سيما في العقول التي ينفون عنها التغير و التبدل و لا يخلو من قوة لكن
للكلام فيه مجال و الله يعلم حقائق الأمور و حججه ع.
و أقول لما انتهى الكلام في هذا الباب إلى بعض الإطناب لكونه من أهم المطالب و أقصى المآرب فلا بأس بأن نذكر بعض المطالب المهمة من أحوال النفس و شئونها في فوائد.
الأولى في بيان اتحاد حقيقة النفوس البشرية بالنوع قال نصير الملة و الدين رحمه الله في التجريد و دخولها تحت حد واحد يقتضي وحدتها و قال العلامة رفع الله مقامه اختلف الناس في ذلك فذهب الأكثر إلى أن النفوس البشرية متحدة في النوع متكثرة بالشخص و هو مذهب أرسطو و ذهب جماعة من القدماء إلى أنها مختلفة بالنوع و احتج المصنف على وحدتها بأنها يشملها حد واحد و الأمور المختلفة يستحيل اجتماعها تحت حد واحد و عندي في هذا نظر و قال شارح المقاصد ذهب جمع من قدماء الفلاسفة إلى أن النفوس الحيوانية و الإنسانية متماثلة متحدة الماهية و اختلاف الأفعال و الإدراكات عائد إلى اختلاف الآلات و هذا لازم على القائلين بأنها أجسام و الأجسام متماثلة إذ لا تختلف إلا بالعوارض و أما القائلون بأن النفوس الإنسانية مجردة فذهب الجمهور منهم إلى أنها متحدة الماهية و إنما تختلف في الصفات و الملكات و اختلاف الأمزجة و الأدوات و ذهب بعضهم إلى أنها مختلفة بالماهية بمعنى أنها جنس تحته أنواع مختلفة تحت كل نوع أفراد متحدة الماهية متناسبة الأحوال بحسب ما يقتضيه الروح العلوي المسمى بالطباع التام لذلك النوع و يشبه أن يكون
قَوْلُهُ ع النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ.
وَ قَوْلُهُ ع الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَ مَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ.
إشارة إلى هذا و ذكر الإمام في المطالب العالية أن هذا المذهب هو المختار عندنا.
و أما بمعنى أن يكون كل فرد منها مخالفا بالماهية لسائر الأفراد حتى لا يشترك منهم اثنان في الحقيقة فلم يقل به قائل تصريحا كذا ذكره أبو البركات في المعتبر.
احتج الجمهور بأن ما يعقل من النفس و يجعل لها حدا معنى واحد مثل الجوهر المجرد المتعلق بالبدن و الحد تمام الماهية و هذا ضعيف لأن مجرد التحديد بحد واحد لا يوجب الوحدة النوعية إذ المعاني الجنسية أيضا كذلك كقولنا الحيوان جسم حساس متحرك بالإرادة و إن ادعي أن هذا مقول في جواب السؤال بما هو عن أي فرد و أي طائفة تفرض فهو ممنوع بل ربما يحتاج إلى ضم مميز جوهري و قد يحتج بأنها مشاركة في كونها نفوسا بشرية فلو تخالفت بفصول مميزة لكانت من المركبات دون المجردات و الجواب بعد تسليم كون النفسية من الذاتيات دون العرضيات أن التركيب العقلي من الجنس و الفصل لا ينافي التجرد و لا يستلزم الجسمية.
و احتج الآخرون بأن اختلاف النفوس في صفاتها لو لم يكن لاختلاف ماهياتها بل لاختلاف الأمزجة و الأحوال البدنية و الأسباب الخارجية لكانت الأشخاص المتقاربة جدا في أحوال البدن و الأسباب الخارجة متقاربة البتة في الملكات و الأخلاق من الرحمة و القسوة و الكرم و البخل و العفة و الفجور و بالعكس و اللازم باطل إذ كثيرا ما يوجد الأمر بخلاف ذلك بل ربما يوجد الإنسان الواحد يبدل مزاجه جدا و هو على غريزته الأولى و لا خفاء في أن هذا من الإقناعيات الضعيفة لجواز أن يكون ذلك لأسباب أخر لا نطلع على تفاصيلها.
الثانية تساوي الأرواح و الأبدان قال شارح المقاصد كل نفس يعلم بالضرورة أن ليس معها في هذا البدن نفس أخرى تدبر أمره و أن ليس لها تدبير و تصرف في بدن آخر فالنفس مع البدن على التساوي ليس لبدن واحد إلا نفس واحدة و لا تتعلق نفس واحدة إلا ببدن واحد أما على سبيل الاجتماع فظاهر و أما على سبيل التبادل و الانتقال من بدن إلى آخر فلوجوه.