کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
هِشَامٌ: إِذَا كَانَ غَداً جَلَسْتُ لَكُمْ 677 ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ مِنَ الْغَدِ خَرَجَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ مَعَهُ كِتَابٌ فِي كِرْبَاسَةٍ، وَ جَلَسَ لَهُمْ هِشَامٌ، فَوَضَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْكِتَابَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا 678 قَرَأَهُ قَالَ: ادْعُوا إِلَيَ 679 جَنْدَلَ الْخُزَاعِيَّ وَ عُكَّاشَةَ الضُّمَيْرِيَ 680 وَ كَانَا شَيْخَيْنِ قَدْ أَدْرَكَا الْجَاهِلِيَّةَ-، فَرَمَى الْكِتَابَ 681 إِلَيْهِمَا، فَقَالَ:
تَعْرِفَانِ هَذِهِ الْخُطُوطَ؟. قَالا: نَعَمْ، هَذَا خَطُّ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَ هَذَا خَطُّ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ لِفُلَانٍ 682 مِنْ قُرَيْشٍ، وَ هَذَا خَطُّ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! أَرَى خُطُوطَ أَجْدَادِي عِنْدَكُمْ؟. فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ 683 قَضَيْتُ بِالْوَلَاءِ لَكَ.
قَالَ: فَخَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ:
إِنْ عَادَتِ الْعَقْرَبُ عُدْنَا لَهَا
وَ كَانَتِ النَّعْلُ 684 لَهَا حَاضِرَةً
قَالَ: قُلْتُ 685 : مَا هَذَا الْكِتَابُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟. قَالَ: فَإِنَّ نَيثلة 686 كَانَتْ أَمَةً لِأُمِّ الزُّبَيْرِ وَ لِأَبِي طَالِبٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخَذَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَأَوْلَدَهَا فُلَاناً، فَقَالَ لَهُ الزُّبَيْرُ: هَذِهِ الْجَارِيَةُ وَرِثْنَاهَا مِنْ أُمِّنَا وَ ابْنُكَ هَذَا عَبْدٌ لَنَا، فَتَحَمَّلَ عَلَيْهِ بِبُطُونِ قُرَيْشٍ. قَالَ: فَقَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ عَلَى خَلَّةٍ عَلَى أَنْ لَا يَتَصَدَّرَ 687 ابْنُكَ هَذَا فِي مَجْلِسٍ، وَ لَا يُ ضْرَبَ مَعَنَا بِسَهْمٍ، فَكَتَبَ عَلَيْهِ كِتَاباً وَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ، فَهُوَ هَذَا
الْكِتَابُ 688 .
بيان: قوله: تعرّض 689 .. أي أراد الفجور معها و مراودتها.
قوله: فقالت له .. أي للعقيلي مولاها.
قوله: فشدّ عليه .. أي حمل عليه 690 ، و قد كان كمن له في الدهليز.
قوله: فلقيته .. أي قال سماعة: فذهبت إليه و أخبرته بالواقعة 691 .
قوله عليه السلام: فسطر بالسين المهملة- .. أي زخرف لها الكلام و خدعها 692 . قال الجزري 693 : سطر 694 فلان على فلان: إذا زخرف له الأقاويل و نمّقها، و تلك الأقاويل: الأساطير و السّطر، و في بعض النسخ: بالشين المعجمة.
قال الفيروزآبادي 695 : يقال: شطر شطره .. أي قصد قصده، أو هو
تصحيف شغر بها بالغين المعجمة- .. أي رفع رجلها للجماع 696 قوله عليه السلام: على ملك الدّومة .. أي دومة الجندل، و هي بالضم-:
حصن بين المدينة و الشّام، و منهم من يفتح الدّال 697 قوله: تحمل عليه ببطون قريش .. أي كلّفهم الشّفاعة 698 عند الزبير ليدفع إليه الخطّاب، فلمّا يئس من ذلك ذهب إلى عبد المطلب ليتحمّل على زبير بعبد المطلب مضافا إلى بطون قريش، فقال عبد المطلب لنفيل: ما بيني و بينه عمل؟
أي معاملة و ألفة أ ما علمتم أنّه يعني زبيرا ما فعل بي في ابني فلان و أشار بذلك إلى ما سيأتي من قصّة العباس في عجز الخبر قال: و لكن امضوا أنتم يعني نفيلا مع بطون قريش إلى الزبير.
قوله: أن لا يتصدّر .. أي لا يجلس في صدر المجلس 699 قوله: و لا يضرب معنا بسهم .. أي لا يشترك معنا في قسمة شيء لا ميراث و لا غيره 700 قوله عليه السلام: فقد كان خطّ 701 أبيك .. أي جدّك عبد اللّه بن العباس
فيه الأوفر .. أي أخذ حظّا وافرا من غنائم تلك الغزوة، و كان من شركائها و أعوانه عليه السلام فيها.
قوله عليه السلام: ثم فرّ بجنايته 702 .. إشارة إلى جناية عبد اللّه في بيت مال البصرة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
أقول:
قد مرّ من تفسير علي بن إبراهيم 703 في تفسير قوله تعالى:
(ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) 704 بإسناده، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال عليه السلام: الوحيد ولد الزنا، و هو زفر .. إلى آخر الآيات 705 .
أمّا حسبه:
فَحَكَى الْعَلَّامَةُ فِي كِتَابِ كَشْفِ الْحَقِ 706 ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ فِي كِتَابِ الْعِقْدِ 707 ، أَنَّ عُمَرَ كَانَ حَطَّاباً 708 فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَأَبِيهِ الْخَطَّابِ.
وَ قَالَ مُؤَلِّفُ إِلْزَامِ النَّوَاصِبِ 709 : رَوَى ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِي كِتَابِ الْعِقْدِ 710 فِي اسْتِعْمَالِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ 711 ، فَقَالَ عَمْروٌ 712 : قَبَّحَ اللَّهُ زَمَاناً
عَمِلَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ الْخَطَّابَ يَحْمِلُ 713 حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ وَ عَلَى 714 ابْنِهِ مِثْلُهَا وَ مَا مَعَهُ إِلَّا تَمْرَةٌ لَا تُنْفَعُ مَنْفَعَةً 715 .
و قال ابن الأثير في النهاية 716 في تفسير الخبط: و هو ورق الشّجر في حديث عمر: لقد رأيتني في هذا 717 الجبل أحتطب مرّة و أختبط أخرى .. أي أضرب الشّجر لينتثر 718 الخبط منه 719 وَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِ يدِ 720 : كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ هُوَ عَامِلُهُ فِي مِصْرَ كِتَاباً وَ وَجَّهَ إِلَيْهِ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ شَطْرَ مَالِهِ 721 ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ 722 اتَّخَذَ لَهُ طَعَاماً وَ قَدَّمَهُ إِلَيْهِ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالَ لَهُ 723 : مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ طَعَامَنَا. قَالَ: إِنَّكَ عَمِلْتَ لِي طَعَاماً هُوَ تَقْدِمَةٌ لِلشَّرِّ، وَ لَوْ كُنْتَ عَمِلْتَ لِي طَعَامَ الضَّيْفِ لَأَكَلْتُهُ، فَأَبْعِدْ عَنِّي طَعَامَكَ وَ أَحْضِرْنِي 724 مَالَكَ؟، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَحْضَرَ مَالَهُ، فَجَعَلَ مُحَمَّدٌ يَأْخُذُ شَطْراً وَ يُعْطِي عَمْراً شَطْراً، فَلَمَّا رَأَى عَمْرٌو مَا حَازَ مُحَمَّدٌ مِنَ الْمَالِ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقُولُ؟. قَالَ: قُلْ مَا تَشَاءُ. قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ يَوْماً كُنْتُ فِيهِ وَالِياً لِابْنِ الْخَطَّابِ! فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَ رَأَيْتُ أَبَاهُ، وَ إِنَّ عَلَى 725 كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَبَاءَةً قُطْوَانِيَّةً، مُؤْتَزِراً بِهَا مَا يَبْلُغُ مَأْبِضَ 726 رُكْبَتَيْهِ، عَلَى عُنُقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبٍ، وَ إِنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ لَفِي مُزَرَّرَاتِ الدِّيبَاجِ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ 727 :
إِيهاً 728 يَا عَمْرُو! فَعُمَرُ وَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْكَ، وَ أَمَّا أَبُوكَ وَ أَبُوهُ فَفِي النَّارِ.
وَ قَالَ أَيْضاً 729 -: قَرَأْتُ فِي تَصَانِيفِ 730 أَبِي أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَخْرُجُ 731 مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي تِجَارَةٍ لِلْوَلِيدِ إِلَى الشَّامِ 732 وَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَ كَانَ 733 يَرْعَى لِلْوَلِيدِ إِبِلَهُ، وَ يَرْفَعُ أَحْمَالَهُ، وَ يَحْفَظُ مَتَاعَهُ فَلَمَّا كَانَ بِالْبَلْقَاءِ لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ الرُّومِ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَ يُطِيلُ النَّظَرَ لِعُمَرَ، ثُمَّ قَالَ: أَظُنُّ اسْمَكَ يَا غُلَامُ- عَامِراً أَوْ عِمْرَانَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟. قَالَ: اسْمِي عُمَرُ.
قَالَ: اكْشِفْ عَنْ 734 فَخِذَيْكَ، فَكَشَفَ، فَإِذَا عَلَى أَحَدِهِمَا شَامَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَدْرِ رَاحَةِ الْكَفِّ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ رَأْسِهِ، فَإِذَا 735 هُوَ أَصْلَعُ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ بِيَدِهِ، فَاعْتَمَدَ 736 ، فَإِذَا أَعْسَرُ أَيْسَرُ. فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مَلِكُ الْعَرَبِ 737 . قَالَ:
فَضَحِكَ عُمَرُ مُسْتَهْزِئاً، فَقَالَ 738 : أَ وَ تَضْحَكُ؟ وَ حَقِّ مَرْيَمَ الْبَتُولِ أَنْتَ مَلِكُ
الْعَرَبِ وَ مَلِكُ الرُّومِ وَ الْفُرْسِ، فَتَرَكَهُ عُمَرُ وَ انْصَرَفَ مُسْتَهِيناً بِكَلَامِهِ، فَكَانَ 739 عُمَرُ يُحَدِّثُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَ يَقُولُ: تَبِعَنِي ذَلِكَ الرُّومِيُ 740 رَاكِبَ حِمَارٍ فَلَمْ يَزَلْ مَعِي حَتَّى بَاعَ الْوَلِيدُ مَتَاعَهُ وَ ابْتَاعَ بِثَمَنِهِ عِطْراً وَ ثِيَاباً، وَ قَفَلَ إِلَى 741 الْحِجَازِ، وَ الرُّومِيُّ يَتْبَعُنِي، لَا يَسْأَلُنِي حَاجَةً وَ يُقَبِّلُ يَدِي كُلَّ يَوْمٍ إِذَا أَصْبَحْتُ كَمَا يُقَبِّلُ يَدَ الْمَلِكِ، حَتَّى خَرَجْنَا مِنْ حُدُودِ الشَّامِ وَ دَخَلْنَا فِي أَرْضِ الْحِجَازِ رَاجِعِينَ إِلَى مَكَّةَ، فَو َدَّعَنِي وَ رَجَعَ، وَ كَانَ الْوَلِيدُ يَسْأَلُنِي عَنْهُ فَلَا أُخْبِرُهُ، وَ مَا أَرَاهُ إِلَّا هَلَكَ، وَ لَوْ كَانَ حَيّاً لَشَخَصَ إِلَيْنَا 742 .