کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
مع علمه بإمكان اللحاق فإنه قد عرف أن جماعة كانوا مثله من الرعية ففازوا للسياسة العظيمة النبوية و بلغوا غايات من المقام العاليات و فيهم من كان غلاما يخدم أولياء الله جل جلاله في الأبواب و ما كان جليسا و لا نديما لهم و لا ملازما في جميع الأسباب فما الذي يقتضي أن يرضى من جاء بعدهم بالدون و بصفقة المغبون و أقل مراتب المراد منه أن يجري الله جل جلاله و رسوله صلوات عليه مجرى صديق يحب القرب منه و يستحي منه و هو حاذر من الإعراض فإذا قال العبد ما أقدر على هذا التوفيق و هو يقدر عليه مع الصديق فهو يعلم من نفسه ما كفاه الرضا بالنقصان و الخسران حتى صار يتلقى الله جل جلاله و رسوله ص بالبهتان و الكذب و العدوان.
فصل فيما نذكره من صفات كمال الصوم من طريق الأخبار.
6 رَوَيْتُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ الْمُعْتَبَرِينَ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَاضِينَ وَ أَنَا أَذْكُرُ لَفْظَ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ 3560 فَقَالَ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ كِتَابِ الْكَافِي إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَ بَصَرُكَ وَ شَعْرُكَ وَ جِلْدُكَ وَ عَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَا وَ قَالَ لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ.
14، 6 وَ بِإِسْنَادِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ فِي كِتَابِهِ إِلَى جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الصِّيَامَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَتْ مَرْيَمُ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أَيْ صَمْتاً فَإِذَا صُمْتُمْ فَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَ لَا تَنَازَعُوا وَ لَا تَحَاسَدُوا قَالَ وَ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص امْرَأَةً تَسُبُّ جَارِيَةً لَهَا وَ هِيَ صَائِمَةٌ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ص بِطَعَامٍ فَقَالَ كُلِي فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ كَيْفَ تَكُونِينَ صَائِمَةً وَ قَدْ سَبَبْتِ جَارِيَتَكِ إِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ.
6 قَالَ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَ بَصَرُكَ مِنَ الْحَرَامِ
وَ الْقَبِيحِ وَ دَعِ الْمِرَاءَ وَ أَذَى الْخَادِمِ وَ لْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارُ الصِّيَامِ وَ لَا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ يَوْمَ فِطْرِكَ.
5 وَ رَأَيْتُ فِي أَصْلٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ الْكَذِبَةَ لَيُفْطِرُ الصِّيَامَ وَ النَّظْرَةَ بَعْدَ النَّظْرَةِ وَ الظُّلْمَ كُلَّهُ قَلِيلَهُ وَ كَثِيرَهُ.
6 وَ مِنْ كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ النَّهْدِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ أَنْ لَا يَأْكُلَ الْإِنْسَانُ وَ لَا يَشْرَبَ فَقَطْ وَ لَكِنْ إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَ بَصَرُكَ وَ لِسَانُكَ وَ بَطْنُكَ وَ فَرْجُكَ وَ احْفَظْ يَدَكَ وَ فَرْجَكَ وَ أَكْثِرِ السُّكُوتَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وَ ارْفُقْ بِخَادِمِكَ.
14 وَ مِنْ كِتَابِ النَّهْدِيِّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَيْسَرُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى الصَّائِمِ فِي صِيَامِهِ تَرْكُ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ.
أقول: فانظر قول النبي ص إن أيسر واجبات الصوم ترك المطعوم و المشروب و رأيت أهمه ترك ذلك ففارقت سبيل علام الغيوب.
أقول و الأخبار كثيرة في هذا الباب فينبغي لذوي الألباب حيث قد عرفوا أن صوم الجوارح و صونها عن السيئات من جملة المهمات أن يراعوا جوارحهم مراعاة الراعي الشفيق على رعيته و أن يحفظوها من كل ما يفطرها و يخرجها من قبول عبادته و إلا فليعلم كل من كان عارفا بشروط كمال الصيام و رضي لنفسه بالإهمال أنه مستخف بصومه و مخاطر بما يتعقب فيه من الأعمال و ليكن على خاطره أن سقم الغفلة و الذنوب يطوف حول أعماله و يحاول أن يحول بينه و بين مالك إقباله فيمسي في صيامه في كثير من الأوقات و قلبه قد أفطر في الجنايات الجهالات و الغفلات و لسانه قد أفطر بالكلام بالغيبة أو بمعونة على ظلم أو تعمد إثم و بما لا يليق بالمراقبات و عينه قد أفطرت بالنظر إلى ما لا يحل عليه أو بالغفلة عن مراعاة المنعم الذي يتواصل إحسانه إليه و سمعه قد أفطر بسماع ما لا يجوز الإصغاء إليه و يده قد أفطرت باستعمالها فيما لم يخلق لأجله و قدمه
قد أفطرت بالسعي بما لا يقربه إلى مولاه و الدخول تحت ظله و هو مع هذا لا يرى إفطار جوارحه و تلف مصالحه و اشتهاره عند الله جل جلاله و عند خاصته بفضائحه فليحذر عبد عن مولاه أن ينفذه في شغل ليقضيه و نفعه عائد على العبد في دنياه و أخراه فيخون في أكثر الشغل الذي نفذ فيه و سيده ينظر إليه و هو يعلم أنه مطلع عليه و على سوء مساعيه 3561 ..
فصل فيما نذكره من صلاة للسلامة في الشهر من حوادث الإنسان و صلاة أول يوم من شهر رمضان للحفظ في السنة كلها من محذور الأزمان.
اعلم أنا قدمنا في كتاب عمل الشهر صلاة ركعتين في أول كل شهر 3562 يقرأ في الأولى منهما الحمد مرة و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاثين مرة و في الثانية الحمد مرة و إِنَّا أَنْزَلْناهُ ثلاثين مرة و يتصدق معها بشيء من الصدقات فتكون دافعة لما في الشهر جميعه من المحذورات و نحن الآن ذاكرون لها مرة أخرى لأن أول السنة أحق بالاستظهار في دفع المخوفات بالصلوات و الدعوات.
رَوَيْنَاهَا بِإِسْنَادِنَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِذَا دَخَلَ شَهْرٌ جَدِيدٌ يُصَلِّي أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ لِكُلِّ يَوْمٍ إِلَى آخِرِهِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ يَتَصَدَّقُ بِمَا يَتَسَهَّلُ فَيَشْتَرِي بِهِ سَلَامَةَ ذَلِكَ الشَّهْرِ كُلِّهِ.
و من ذلك ركعتان أخريان تدفع عن العبد أخطار السنة كلها إلى مثل ذلك الأوان.
7 رَوَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ فِي كِتَابِهِ فِي عَمَلِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَنِ الْعَالِمِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى عِنْدَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعاً قَرَأَ فِي أُولَاهَا أُمَّ الْكِتَابِ وَ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وَ فِي الْأُخْرَى مَا أَحَبَّ دَفَعَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ السُّوءَ فِي سَنَتِهِ وَ لَمْ يَزَلْ فِي حِرْزِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ.
فصل فيما نذكره من الدعاء أول يوم من شهر رمضان خاصة
16 فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَيْتُهُ عَنْ وَالِدِي قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَ نَوَّرَ ضَرِيحَهُ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ الْمُقْنِعَةِ بِرِوَايَتِهِ عَنْ شَيْخِهِ الْفَقِيهِ حُسَيْنِ بْنِ رَطْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ خَالِ وَالِدِيَ السَّعِيدِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ وَالِدِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيِّ جَدِّ وَالِدِي مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ عَنِ الشَّيْخِ الْمُفِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ تَغَمَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعاً بِالرِّضْوَانِ وَ أَخْبَرَنِي وَالِدِي أَيْضاً قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْفَقِيهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الرَّاوَنْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ النَّيْسَابُورِيِّ عَنِ الدُّورْيَسْتِيِّ عَنِ الْمُفِيدِ أَيْضاً بِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ الْمُقْنِعَةِ قَالَ: إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَادْعُ وَ قُلِ اللَّهُمَّ قَدْ حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَ قَدِ افْتَرَضْتَ عَلَيْنَا صِيَامَهُ وَ أَنْزَلْتَ فِيهِ الْقُرْآنَ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى صِيَامِهِ وَ تَقَبَّلْهُ مِنَّا وَ تَسَلَّمْهُ مِنَّا وَ سَلِّمْهُ لَنَا فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَ عَافِيَةٍ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 3563 .
أقول: و وجدت أدعية ذكرت في أول يوم منه و هي لدخول الشهر في روايتها أنه أول السنة فذكرتها في أدعية أول ليلة لأنها وقت دخول الشهر و أول السنة و إن شئت فادع بها أول ليلة منه و أول يوم منه استظهارا للأفعال الحسنة.
فصل فيما نذكره من الأدعية و التسبيح و الصلاة على النبي ص المتكررة كل يوم من شهر رمضان.
اعلم أننا نبدأ بذكر الدعاء المشهور بعد أن ننبه على بعض ما فيه من الأمور و قد كان ينبغي البداءة بمدح الله و تعظيمه بالتسبيح ثم بتعظيم النبي و الأئمة عليه و عليهم السلام لكن وجدنا الدعاء في المصباح الكبير قبل التسبيح و الصلاة عليهم فجوزنا أن تكون الرواية اقتضت ذلك الترتيب فعملنا عليه.
فنقول إن هذا الدعاء في كل يوم من الشهر يأتي فيه إِنْ كُنْتَ قَضَيْتَ فِي
هَذِهِ اللَّيْلَةِ تَنَزُّلَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ فِيهَا و الظاهر فيمن عرفت اعتقاده فيها من الإمامية أن الليلة التي تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها 3564 ليلة القدر و أنها إحدى الثلاث ليال إما ليلة تسع عشرة منه أو ليلة إحدى و عشرين أو ليلة ثلاث و عشرين و ما عرفت أن أحدا من أصحابنا يعتقد جواز أن تكون ليلة القدر في كل ليلة من الشهر و خاصة الليالي المزدوجات مثل الليلة الثانية و الرابعة و السادسة و أمثالها و وجدت عمل المخالفين أيضا على أن ليلة القدر في بعض الليالي المفردات و قد قدمنا قول الطوسي رحمه الله أنها في المفردات العشر الأواخر بلا خلاف.
أقول فينبغي تأويل ظاهر الدعاء إن كان يمكن إما بأن يقال لعل المراد من إطلاق اللفظ إن كنت قضيت في هذه الليلة إنزال الملائكة و الروح فيها غير ليلة القدر بأمر يختص كل ليلة أو لعل المراد بنزول الملائكة و الروح فيها في ظاهر إطلاق هذا اللفظ في كل ليلة أن يكون نزول الملائكة في كل ليلة إلى موضع خاص من معارج الملإ الأعلى و لعل المراد إظهار من يروي عنه ع هذا الدعاء إظهار أنه ما يعرف ليلة القدر تقية و لمصالح دينية أو لغير ذلك من التأويلات المرضية و قد تقدم ذكرنا أنهم عارفون ع ب ليلة القدر و روايات و تأويلات كافية في هذه الأمور 3565 .
أقول و إن كان المراد بهذا إنزال الملائكة و الروح فيها ليلة القدر خاصة فينبغي لمن يعتقد أن ليلة القدر إحدى الثلاث ليال التي ذكرناها أن لا يقول في كل يوم من الشهر هذا اللفظ بل يقول ما معناه اللهم إن كنت قضيت أنني أبقى إلى ليلة القدر فافعل بي كذا و كذا من الدعاء المذكور و إن كنت قضيت أنني لا أبقى فأبقني إلى ليلة القدر و ارزقني فيها كذا و كذا و أن يطلق اللفظ المذكور في الدعاء يوم ثامن عشر و يوم عشرين منه و يوم اثنين و عشرين
لتجويز أن تكون كل ليلة من هذه الثلاث الليالي المستقبلة ليلة القدر ليكون الدعاء موافقا لعقيدته و مناسبا لإرادته.
أقول و إن كان الداعي بهذا الدعاء ممن يعتقد جواز أن يكون ليلة القدر كل ليلة مفردة من الشهر أو في المفردات من النصف الآخر أو من العشر الأواخر 3566 فينبغي أن يقتصر في هذه الألفاظ التي يقول فيها و إن قضيت في هذه الليلة تَنَزُّلَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ فِيهَا على الأوقات التي يعتقد جواز ليلة القدر فيها لئلا يكون في دعائه مناقضا بين اعتقاده و بين لفظه بغير مراده.
أقول و كذا قد تضمن هذا الدعاء و كثير من أدعية شهر رمضان طلب الحج فلا ينبغي أن يذكر الدعاء بالحج إلا من يريده و أما من لا يريد الحج أصلا و لو تمكن منه فإن طلبه لما لا يريده و لا يريد أن يوفق له يكون دعاؤه غلطا منه و كالمستهزئ الذي يحتاج إلى طلب العفو عنه بل يقول اللهم ارزقني ما ترزق حجاج بيتك الحرام من الإنعام و الإكرام.
أقول و قد سمعت من يدعو بهذا الدعاء على إطلاقه في ليلة القدر في أول يوم من الشهر إلى آخر يوم منه و يقول في آخر يوم و هو يوم الثلاثين وَ إِنْ كُنْتَ قَضَيْتَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ تَنَزُّلَ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ فِيهَا و ما بقي بين يديه على اليقين ليلة واحدة من شهر رمضان بل هو مستقبل ليلة العيد و ما يعتقد أن
ليلة العيد فيما تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها و إنما يتلو هذه الألفاظ بالغفلة من المراد بها و القصد لها و لسان حال عقله كالمتعجب منه و لا يؤمن أن يكون الله جل جلاله معرضا عنه لتهوينه بالله جل جلاله في خطابه بالمحال و مجالسته لله جل جلاله بالإهمال.
أقول و ربما يطلب في هذا الشهر في الدعوات ما كان الداعون قبله يطلبونه و هو لا يطلب حقيقة ما كانوا يطلبونه و يريدونه مثل قوله و أدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا و آل محمد و قد كان من جملة الخير الذي أدخلهم الله جل جلاله فيه الامتحان بالقتل و الحبوس و الاصطلام و سبي الحرم و قتل الأولاد و احتمال كثير من أذى الأنام و أنت أيها الداعي لا تريد أن تبتلي بشيء منه أصلا و من جملة الخير الذي أدخلهم فيه الإمامة و أنت تعلم أنك لا ترى نفسك لطلب ذلك أهلا فليكن دعاؤك في هذه الأمور مشروطا بما يناسب حالك و لا تطلب بقلبك و لفظك ظاهر معاني اللفظ المذكور مثل أن تطلب في الدعاء القتل في سبيل المراضي الإلهية و أنت ما تريد نجاح هذا المطلوب بالكلية فليكن مطلوبك منه أن يعطيك ما يعطي من قتل في ذلك السبيل الشريف من أهل القوة و المعرفة بذلك التشريف و إن لم يكن محاربا في الله و لا مجاهدا بل بفضل الله المالك اللطيف.